«بعد اللتيا والتي»، أي بعد الداهيتين الكبيرة والصغيرة، والداهية قد تعني الطامة أو المصيبة، فتلفظ اللتيا وهي الكبرى بلفظ التصغير تشبيهاً بالحية التي إذا كثر سمها صغرت، فهي الأخطر، لأنه كما هو معتقد بأن السم يأكل جسدها، فيصغر حجمها.
وقيل في أصل المثل أن رجلاً من جديس تزوج امرأة قصيرة ضئيلة الجسم، فقاسى منها الشدائد، فطلقها، وكان يعبر عنها بالتصغير، فتزوج بعدها امرأة طويلة، فقاسى منها ضعف ما قاسى من القصيرة، فطلقها، فقال في ذلك: «بعد اللتيا والتي» لا أتزوج أبداً، فجرى على ما قاله مثلاً، وقد قيل عن العرب أنها تصَغر الشيء العظيم مع التشديد، كالدهيم من الدهماء، واللهيم والتي أيضاً تعني هنا الداهية.
***
وما دمنا نتحدث هنا عن الداهية، فهناك طرفة أنقلها عن دهاء امرأة، فيقال عن امرأة أتت مجلس يتجمع فيه التجار من أجل تسويق بضائعهم، فأشارت بيدها إلى أحدهم فقام إليها، وسألها عن مرادها، فقالت له: أطلب خدمة، ومن يخدمني سأعطيه عشرين ديناراً، فسألها عن ماهية الخدمة، فردت: إن زوجي ذهب إلى الجهاد منذ عشر سنوات ولم يرجع، ولم يأتني منه خبر منذ أن تركنا، فرد الرجل: أرجعه الله بالسلامة، فقالت: اريد منك أن تذهب معي الى القاضي وتدعي أنك زوجي، ثم تطلقني أمامه، فأنا أريد أن أعيش كباقي النساء، فلم يمانع الرجل.
ذهب الاثنان الى القاضي ووقفا أمامه، فقالت المرأة للقاضي: يا حضرة القاضي، هذا زوجي الغائب عني منذ عشر سنوات والآن يريد ان يطلقني، فسأله القاضي: هل أنت زوجها؟ قال الرجل: نعم: فسأله: وهل تريد طلاقها؟ قال: نعم، فسأل القاضي المرأة: وهل أنت تقبلين الطلاق؟ قالت: نعم، فقال القاضي للرجل: اذن طلقها، فطلقها.
القصة لم تنته هنا، فقد توجهت المرأة بكلامها للقاضي مسترحمة: يا حضرة القاضي، ان هذا الرجل غاب عني عشر سنوات لم ينفق عليّ خلالها شيئا، ولهذا فإنني أطلب منه نفقة العشر سنوات الماضية، إضافة الى نفقة الطلاق، فسأل القاضي الرجل: لماذا تركت زوجتك من دون نفقة طول مدة غيابك؟ فتلعثم الرجل، وأسقط بيده، فهذه المرأة أوقعته في مشكلة صعب الفكاك منها، فرد قائلا على مضض: بأن ظروفه لم تسمح بذلك، فحكم عليه القاضي بدفع ألفي دينار نفقة.
الرجل لم يجد له مفر، فإن أنكر فسينكشف كذبه، وسيكون مصيره السجن أو الجلد، وسيتعرض الى فضيحة مجلجلة بين التجار، فدفع لها الألفي دينار مرغما، وعند انصرافهما، دفعت له المرأة العشرين ديناراً نظير خدمته وانصرفت. أما الرجل، فعاد الى أصحابه وهو يضرب يديه كفاً بكف، ويندب حظه العاثر الذي أوقعه بيد هذه اللتيا.