زرقاء اليمامة فتاة عربية عاقلة جميلة وكان اجمل ما فيها عيناها وكانت ترى بهما على مسافات بعيدة جدا والناس يعجبون من قوة نظرها
وكانت بلادها تسمى (( اليمامة)) فسميت الفتاة ((زرقاء اليمامة)) وفي هذه البلاد عيون ماء كبيرة و بساتين جميلة وفي وسطها قلعة عالية على جبل مرتفع
وكان ابو الزرقاء تاجرا مشهورا وقد حدث ان سافر للتجارة الى بلاد بعيدة وغاب اكثر من شهر ووفي عصر يوم من الايام صعدت الزرقاء الى اعلى الجبل و نظرت بعيدا ثم نادت اصحابها وهي تقول ((ابي ابي هذا ابي قد عاد من سفره وانا اراه بعيني))
ونظر اصحاب الزرقاء الى كل جهة فلم يروا شيئا وحققوا النظر فلم يبصروا احدا و الزرقاء تقول ((هذا ابي على فرسه الابيض وهذا اخي وراءه وهذه الجمال من بعدهم خمسون جملا على ظهر كل جمل حمل كبير من البضاعة ))
وصارت تصف لهم القافلة ومن فيها وهم ينظرون ولا يرون شيئا فلم يصدقوها وقالوا (( ان الزرقاء قد خدعتها عيناها الجميلتان)) وذهب كل واحد بيته يحكي لاهله ما قالت الزرقاء و ناموا طول الليل
وعند الفجر كانت القافلة قد دخلت اليمامة و حضر ابو الزرقاء بتجارته و قافلته كما وصفت فلما اصبح الناس صدقوا وعرفوا قوة بصرها
وكانوا بعد ذلك اذا ارادوا ان ينظروا شيئا بعيدا او يروا في الطريق احدا اخدوا الزرقاء وصعدوا بها الى القلعة فوق الجبل ))وهي اعلى مكان باليمامة((
فتنظر و تخبرهم بما ترى
وذات يوم اراد اصحاب الزرقاء ان يمتحنوها و يعرفوا قوة نظرها فاجتمعوا و قالوا (( يا زرقاء سنعد حماما و نحبسه ثم نطلقه في الجو امامك و نسألك أن تعديه
فإذا عرفت عدده شهدنا لك ))
ورضيت الزرقاء بامتحانهم فاجتمعوا وحبسوا حماما عدوه ولم يخبروها بعدده ثم اطلقوه فاجاة وقالوا (( عدي يا زرقاء ))
طار الحمام بعضه الى اليمين و بعضه الى الشمال و تفرق في سرعة و لكن الزرقاء عدته و عرفت حسابه تماما ثم ارادت ان تمتحنهم كما امتحنوها و جعلت جوابها في صورة احجية فقالت (( اذا اضيف الى هذا الحمام نصفه و الحمامة الواحدة التي عندي كان عدد الحمام مائة )) ففكروا و حسبوا ووجدوا جوابها صحيحا فاعترفوا لها بصحة الحكم و قوة النظر
صعدت الزرقاء يوما الى القلعة و نظرت فرات شيئا عجيبا رات من بعيد شجرا كثيرا يمشي و ينتقل من مكان الى مكان فنادت رئيس قومها وقالت(( ارى شيئا عجيبا ارى شجراكثيرا يمشي و ينتقل )) فعجب الناس وقالوا ((الشجر يمشي يا زرقاء هذا شيء لم نره ولا نقدر ان نصدقه انظري اعيدي النظر .حققي )) فاعادت النظر ثم قالت (( كما اراكم بجانبي ارى الشجر من بعيد يمشي )) قال واحد من اهلها (( ربما جاء الى تلك البلاد سيل شديد فقلع الشجر من مكانه و حمله لذا تراه الزرقاء يسير))
اعادت النظر و قالت ((لا بل اراه الان اوضح مما كنت اراه تحت الشجر رجالا سائرين و الشجر معهم يسير)) فنظروا هم ثم قالوا (( لا يا زرقاء الجميلة اخطأ نظرك هذه المرة و خدعتك عيناك )) قالت (( لا بل ارى ذلك كما اراكم بجانبي ))
و جاءالليل فانصرفوا و ذهب كل الى داره و عند الفجر ايقظ الناس جيش كبير مسلح يقوده اكبر عدو لليمامة كان الجيش مستعدا معدا سلاحه وكان اهل اليمامة نائمين تاركين سلاحهم ففاجاهم العدو المهاجم و قتل كثيرا منهم و استولى على قلعهم و عند ئد علم الناس ان الزرقاء كانت صادقة وكانت تخبرهم بما تراه حقا و لكن فات الاوان و ضاعت الفرصة
كان هذا العدو يريد ان يهجم على اهل اليمامة فجاة و كان يخاف من عين الزرقاء ان تراه و تخبر اهلها فيستعدوا لقتاله و لهذا دبر تلك الحيلة و امر رجاله ان يحمل كل واحد منهم فرع شجرة او يحمل كل جماعة شجرة تغطيهم حتى لا يرى من ينظرهم من بعيد الا الشجر يمشي و نجحت الحيلة لان اهل الزرقاء لم يصدقوا كلامها رغم صحته
و بحت رئيس الجيش المهاجم عن الزرقاء فلما احضرت له قال (( انت التي اخرت جيشي مرارا قبل هذه المرة و منعته ان ياخد اليمامة فكلما اقبلت بجيش نظرت فكشفت مكانه و اخبرت اهلك فيستعدون لي ))
قالت (( وكنت اتمنى ان اؤخره هذه المرة ايضا )) قال (( ولكن عقلي غلب عينيك))
قالت ((لم يغلبهما و لكن اهلي كذبوني حين اخبرتهم))
قال (( هل تحبين ان تصحبيني و تخبريني عن كل من يقصد الى بلادي و لا اكذبك كما كذبك اهلك))
قالت (( كثرة البكاء على اهلي و الحزن على و طني يضعف بصري فلا يجعلني ارى شيئا )) قال (( الان وجب ان احرمك عينيك))
قالت (( اذن تحسن الي فانه لا فائدة لي في عيني اذا لم اخدم بهما اهلي ووطني و فقدهما خير لي من ان ابصر بهما العدو الذي قتل اهلي و خرب و طني و الان فافعل بعيني ما شئت و لا تطمع من الزرقاء ان تخدم بهما عدو الوطن ))